تحالف المحور، 1939 - 1941

وفي 22 يونيو 1940، استسلم رئيس الوزراء الفرنسي بول رينو للجيش الألماني، مما أدّى إلى توقيع الهدنة الفرنسية الألمانية. أدت المعاهدة إلى وضع منطقة شمال وغرب فرنسا تحت سيطرة الاحتلال الألماني، وأصبح جنوب فرنسا تابعًا لحكومة جديدة موالية لدول المحور مقرها مدينة فيشي، برئاسة المارشال هنري فيليب بيتان. احتفظ بيتان ونظام فيشي بالسيطرة الإدارية على الأراضي الخارجية التابعة لفرنسا في شمال إفريقيا، بما في ذلك الجزائر المحتلة والمحميتين المغربية والتونسية. وفي ظل هذه التطورات، أصبحت دول شمال إفريقيا الفيشية موقعًا فريدًا في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث اجتمعت فيها القوى الاستعمارية والفاشية وتداخلت معًا.

كان أغلبية سكان دول شمال إفريقيا الفيشية من المسلمين واليهود الذين تعود أصولهم إلى المنطقة. كما عاش المستعمرون الأوروبيون في جميع أنحاء شمال إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، كانت دول شمال إفريقيا الفيشية ملجأً لآلاف اللاجئين، ومن بينهم اليهود، القادمين من جميع دول أوروبا تقريبًا. نجا بعض هؤلاء الرجال والنساء من الحرب الأهلية الإسبانية بصفتهم مدنيين أو متطوعين في الجيش الجمهوري الإسباني، بينما وصل آخرون إلى شمال إفريقيا من أجزاء أخرى من القارة، هروبًا من أهوال الحرب أو العنف أو القوانين العنصرية. شد العديد من اللاجئين الرّحال إلى شمال إفريقيا قبل الاحتلال الألماني لشمال وغرب فرنسا، وبالتالي قبل إنشاء نظام فيشي. وبعد إنشاء نظام فيشي، أصبحت تلك الفئات المهاجرة جميعها عُرضة للاعتقال لكونهم "غير مرغوب فيهم" أو أجانب، وأُرسل الكثير منهم فيما بعد إلى معسكرات العمل واحتُجزوا فيها.

وفي عام 1940، أصدرت السلطات الفيشية أمرًا بإنشاء شبكة ممتدة من معسكرات العمل أو إعادة تأهيل المعسكرات الموجودة بالفعل لخدمة هذا الغرض في شمال إفريقيا (بما في ذلك الجزائر والمغرب) وغرب إفريقيا الفرنسي (بما في ذلك السنغال ومالي وغينيا) لاحتجاز هؤلاء اللاجئين الأجانب والمنشقين. صُممت العديد من هذه المعسكرات في المغرب والجزائر لدعم مشروع إنشاء خط سكة حديدية يُسمى خط البحر المتوسط-النيجر (Mer-Niger).وضع المسؤولون الإداريون التابعون للاحتلال الفرنسي تصور هذا المشروع وبدؤوه في القرن التاسع عشر؛ أملًا في ربط مدينة داكار السنغالية بالمدن الساحلية الجزائرية، إلا أن الخلافات الناشئة بين القيادات الفرنسية أعاقت تنفيذ هذا المشروع، وظل خط السكة الحديدية Mer-Niger أحد أحلام القرن التاسع عشر غير المحققة.

في أثناء الحرب العالمية الثانية، اكتسبت السكة الحديدية معاني جديدة. دعم المسؤولون النازيون المشروع، حيث رأوه طريقة نافعة لنقل الجنود السنغاليين عبر الصحراء الكبرى، ووسيلة لاستغلال الكمية الكبيرة والمتنوعة من الموارد المعدنية والطبيعية (بما في ذلك الفحم) التي يمكن العثور عليها في المنطقة. شكّل تعيين العمال في الظروف الصحراوية القاسية عقبة أمامهم، ولكن تلاشت هذه العقبة بعد أن صرح وزير الداخلية في حكومة فيشي بتطبيق العمل بالسخرة على نطاق واسع في الصحراء الكبرى. كان معظم هؤلاء المجبرين على العمل القسري في تلك المواقع "غير مرغوب فيهم" وأجانب.

في أوائل عام 1941، نقلت السلطات الفيشية مئات اللاجئين، بما في ذلك من نساء وأطفال، إلى معسكرات العمل في الصحراء الكبرى وإلى أنواع أخرى من مراكز الاحتجاز كذلك. شكّل اليهود الأجانب نسبة كبيرة من المحتجزين، حتى وإن لم يكونوا قد اعتقلوا تحديدًا لكونهم يهودًا. في الجزائر، على سبيل المثال، تفيد التقديرات أنه قد اِحتُجزَ من 2000 إلى 3000 يهودي في المعسكرات مع المعتقلين السياسيين ذوي الخلفيات المختلفة، ليصل إجمالي عدد المعتقلين من15.000 إلى20.000 سجين. 

الجاليات اليهودية في شمال إفريقيا

نُظمت صفوف المعتقلين السياسيين والمحتجزين على نطاق واسع لتشكل مجموعات من العمال الأجانب: وهي GroupementsdeTravailleursÉtrangers (مجموعات العمال الأجانب، GTEs)؛ وGroupementsdeTravailleursÉtrangersAutonomes (مجموعات العمال الأجانب المستقلة، GTEAs)؛ وGroupementsdeTravailleursDémobilisés (مجموعاتالعمالالأجانبالمسرَّحين، GTDs). تضمن العاملون قسريًا والمحتجزون الآخرون مؤيدين للجمهورية الإسبانية ومعتقلين سياسيين ومتطوعين سابقين من اليهود في الفيلق الأجنبي الفرنسي (Légionétrangère، LE). ويظهر أن عدد المواطنين المغاربة اليهود الذين أُرْسِلوا إلى معسكرات حكومة فيشي في المغرب كان صغيرًا جدًا (إن وجد). أما في الجزائر، كان عدد المواطنين اليهود الذين رُحِّلوا أكبر، وكان من بينهم محاربون قُدامى من يهود الجزائر.

كُلفت وزارة الإنتاج الصناعي والعمل بمهمة إدارة معسكرات حكومة فيشي، والإشراف على المحتجزين. وفي حالات الشغب و/أو رفض اتباع الأوامر، وعند احتياج النظام إلى زيادة العمالة القسرية، كان يُنقلُ المحتجزون من معسكر لآخر. إجمالًا، شكلت هذه المعسكرات شبكة واسعة، وكانت تقع في الغالب بجوار السكك الحديدية وبالقرب من المناجم.

كانت الشؤون اليومية في معسكرات حكومة فيشي في المغرب والجزائر تُدار بواسطة جنود المشاة السنغاليين (التيرايور)، والمسلمين المجندين أو المدفوع لهم بغرض الانضمام إلى الخدمات المساعدة، وممثلي الخدمات العسكرية المساعدة المحليين من المغاربة(الكوم)، وأعضاء من سلاح الفرسان الفرنسي الذي تم تجنيده من الجماعات القبلية الأصلية (الصبايحية). كانت فئات المعتقلين الواقعة تحت سيطرة هذه القوات تتكون عادة من طبقات مميزة من المعتقلين. على سبيل المثال، كانت معسكرات الجلفة وجنين بورزق وحجرات المقيل معقلًا للمنشقين السياسيين بشكل أساسي، في حين كان معسكري بو عرفة وكولومب بشار مخصصين لمجموعات العمال الأجانب.

احتُجزت أنواع أخرى من المعتقلين في معسكرات العمل الفيشية في غرب إفريقيا الفرنسي. وفي هذا الصدد، أنشأت السلطات الفرنسية ستة معسكرات، في الغالب بغرض احتجاز أسرى الحرب من دول الحلفاء وأطقم السفن الحربية أو التجارية التابعة لهولندا واليونان والدنمارك وبريطانيا. كانت هذه المعسكرات تقع في مالي (تمبوكتووكوليكورو)؛ والسنغال (سيبيكوتان)؛ وغينيا (غينيا القديمة التابعة لفرنسا) (كوناكري وكيندا وكانكان).  

تشهد المذكرات واليوميات وقصائد الشعر التي كتبها المحتجزون على الصعاب التي واجهوها في الحياة اليومية في معسكرات العمل الفيشية. تعرض المعتقلون، في معسكرات العمل القسري في جنوب المغرب والجزائر، إلى أساليب العقاب القاسية، وتضمن ذلك الضرب والحبس في "المقبرة"، وهي حفرة كان يُجبر المعتقلون على النوم فيها لمدة 25 إلى 30 يومًا دون التحرك بأي شكل من الأشكال. وكان المعتقلون الذين يحاولون التحرك في هذه المساحة المحدودة يتعرضون للإيذاء دون رحمة. وكان من أشكال العقاب الأخرى الاحتجاز في "قفص الأسد"، وهو مكعب حجمه 1.80 متر (1.9 ياردة) محاط بأسلاك معدنية شائكة. اقتصر الطعام على 100 جرام (3.5 أونصات) من الخبز والماء في اليوم، ومات العديد من المحتجزين إثر لدغات العقارب وعضات الثعابين والتيفويد والملاريا. كما عانوا من الحرارة والبرد بسبب عدم وجود ما يكفي من الملابس أو الأغطية أو الأحذية.

أما في تونس، فقد اختلفت الظروف عن تلك الموجودة في المغرب والجزائر. أولًا، كان يشرف على معسكرات العمل والاحتجاز في تونس مشرفون فرنسيون وألمان وإيطاليون، حسب الفترة التي تمر بها الحرب. وقد أُنشئ حوالي أربعون معسكرًا ألمانيًا للعمل والاحتجاز في تونس بعد عمليات إنزال قوات الحلفاء، حين بدأت فترة الاحتلال الألماني لتونس التي استمرت لمدة ستة أشهر (نوفمبر 1942 - مايو 1943). ويُقدر أنه قد تم تجنيد حوالي 5000 رجل يهودي تونسي للعمل القسري داخل معسكرات الاحتجاز تلك. وفي الوقت نفسه، كان الرجال اليهود يُعيَّنون في العمل القسري بالقرب من الخطوط الأمامية وفي مدنٍ مثل تونس العاصمة. 

وقد كانت ليبيا ساحة معارك مهمة في أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت إيطاليا وبريطانيا تتبادلان السيطرة على أراضيها. نزلت القوات الألمانية أيضًا في ليبيا ممثلة لدول المحور. وفي فبراير من عام 1942، أمر بينيتو موسوليني بنقل يهود برقة خارج منطقة الحرب، فيما يبدو لمنعهم من مساعدة البريطانيين. تم إرسال أغلب اليهود المرحلين، الذين بلغ عددهم 2600 فرد، بناءً على أوامره إلى معسكر جادو، وهو موقع عسكري سابق يقع على بعد 150 ميلًا جنوب طرابلس. وتم ترحيل يهود ليبيين آخرين إلى معسكري بقبق وسيدي عزاز. كان السجناء يعملون قسريًا في المعسكرات الثلاثة كلها تحت ظروف ثبت أنها قاسية بشكل خاص في معسكر جادو. بالإضافة إلى ذلك، قام الإيطاليون بترحيل بعض يهود ليبيا إلى معسكرات الاحتجاز في تونس.

سعت المنظمات ووكالات الإغاثة اليهودية وغير اليهودية، مثل لجنة التوزيع المشتركة الأمريكية ولجنة أمريكا لخدمات الأصدقاء، لدعم النساء والرجال والأطفال المحتجزين في معسكرات شمال إفريقيا. وقام أشخاص، مثل هيلين كازي بن عطار، التي مثلت لجنة التوزيع المشتركة (JDC) في الدار البيضاء، بتقديم المساعدة للمحتجزين الذين رأوا ألّا دخل لهم بالسياسة.

الجنرالان الأمريكان دوايت د. أيزنهاور (على اليمين) وجورج س.

وعلى الرغم من تلك الجهود الخيرية، فإنّ معسكرات حكومة فيشي لم تُغلقْ على الفور عقب عملية الشعلة (الغزو الأمريكي البريطاني للمغرب والجزائر التابعتين لفرنسا) التي انتهت بتاريخ 16 نوفمبر 1942. وكان ذلك إهانة عميقة ودائمة للمحتجزين وعائلاتهم وداعميهم. وقد استغرق الأمر عدة أشهر، وفي بعض الحالات أعوام، حتى تم التخلي عن مشروع السكة الحديدية الخيالي الذي كان يحلم به نظام فيشي، وتم فتح المعسكرات التابعة له وإطلاق سراح المعتقلين.