المقاومة الروحية في الحي اليهودي
تشير المقاومة الروحية خلال الهولوكوست إلى محاولات الأفراد للحفاظ على إنسانيتهم، وسلامتهم الشخصية، وكرامتهم، وشعورهم بالحضارة في مواجهة المحاولات النازية لتجريدهم من إنسانيتهم والحط من قدرهم.
جعل الحرمان الذي تميزت به الحياة في الحي اليهودي والخوف الدائم من الترهيب النازي المقاومة صعبة وخطيرة، لكنها لم تكن مستحيلة. فإضافة الى المقاومة المسلحة، دخل اليهود في عدة اشكال من التحدي غير المسلح، من بينها محاولات منظمة للهروب من الحي اليهودي الى الغابات المجاورة وعدم رضوخ بعض زعمائهم لمطالب النازيين وتهريب المواد الغذائية الى داخل احيائهم، اضافة الى المقاومة الروحية.
والمقصود بالمقاومة الروحية محاولات الاشخاص الحفاظ على انسانيتهم واستقامتهم وشرفهم وتحضرهم في وجه محاولات النازيين سلبهم اياها واذلالهم. وبصفة عامة، فالمقاومة الروحية هي رفض الاستسلام في ابشع الظروف واكثرها اذلالا. ومن الامثلة على المقاومة الروحية الانشطة الثقافية والتربوية وتوثيق بيانات الاشخاص والحفاظ عليها واقامة المحافل الدينية السرية.
الثقافة والتربية
اقيمت عدة مدارس سرية في الحي اليهودي في كل انحاء بولندا. ومن اجل حضور الدروس المنظمة في مختلف الشقق والادوار السفلية، تعين على الطلبة اخفاء كتبهم تحت ملابسهم. كان اليهود يهربون الكتب والمخطوطات الى الحي اليهودي لحمايتها من الضياع، كما انشأوا مكتبات تحت الارض في الكثير من تلك الاحياء، ومن بينها المكتبة السرية في تشيستوتشوفا ببولندا، والتي كان يرتادها حوالي ألف قارئ. كما أنشأ الناشطون مكتبة تضم 60 ألف عمل في حي تيريسينشتات اليهودي في براغ.
وانخرط اليهود في احيائهم في انشطة ثقافية مختلفة كلما امكن ذلك. وعلى خلاف انشاء المدارس، لم تكن السلطات الالمانية دائما تمنعها. فصير الى اقامة سهرات موسيقية ومسرحية ومحاضرات ومسابقات فنية في عدة احياء يهودية، رغم مصاعب الحياة اليومية.
التوثيق في الاحياء اليهودية
تم الحفاظ على ارشيفات سرية في عدة احياء يهودية، حيث ألف القيمون عليها وجمعوا وخزنوا تقارير ومفكرات ووثائق حول الحياة اليومية هناك، وذلك بطريقة منظمة. وكانت هذه المجهودات مفيدة في جمع الادلة على اوضاع اليهود في اوروبا المحتلة، كما رسخت روح الجماعة عندهم، اضافة الى الحفاظ على تاريخهم وحضارتهم في وجه التصفية الجسدية والروحية.
وكان اشهر تلك الارشيفات "أونيغ شباط" (أو بهجة السبت) في حي وارسو اليهودي، الذي أشرف عليه المؤرخ ايمانويل رينغلبلوم ما بين 1940 و1944. وتعين الحفر لاستخراج الصناديق التي كانت تحتوي على تلك الوثائق من حطام الحي اليهودي بعد الحرب. وقد وفرت تلك الوثائق معلومات قيمة عن الحياة والموت في الحي اليهودي. وفي بياليستوك، حذا الناشط موردخاي تيننباوم حذو رينغلبلوم بعدما انتقل الى هناك من وارسو لتأسيس حركة مقاومة في نوفمبر 1942، واسس ارشيفا شبيها بأرشيف "اونيغ شباط". كما كان هناك ارشيف آخر في حي لودز اليهودي، لكن على خلاف ارشيفي وارسو وبياليستوك، لم يكن سريا، وبالتالي خضع لبعض القيود. وتوثق هذه الارشيفات وأخرى اقل حجما الحياة اليومية في الاحياء اليهودية.
الانشطة الدينية
منع الالمان الانشطة الدينية في معظم الاحياء اليهودية، ما جعل معظم اليهود ينظمونها سرا في الطوابق السفلية والعلوية والغرف الخلفية بينما يقف بعضهم حراسا. ففي وارسو وحدها، كانت هناك 600 مجموعة صلاة في 1940. وكانت السلطات الحاخامية تحل الخلافات الدينية على اساس القواعد الدينية وحاولت تحوير تلك القواعد لتتناسب مع الاوضاع الجديدة الصعبة التي كان يعيش فيها اليهود.وساعدت الصلاة اليهود على الحفاظ على روحهم المعنوية وهويتهم الثقافية والدينية، ومنحتهم الدعم الروحي. وكان الكثير من اليهود الارثوذكس الذين يرفضون العنف يرون في الصلاة والانشطة الدينية أصلح شكل من اشكال المقاومة.