مقدمة

عندما وصل أدولف هتلر والنازيون إلى سُدة الحكم عام 1933، كان هناك عدة آلاف من الأشخاص ذوي البشرة السوداء يعيشون في ألمانيا. قام النظام النازي بممارسة التمييز العنصري ضدهم وذلك نظرًا لأن النازيين نظروا إلى الأشخاص ذوي البشرة السوداء باعتبارهم أدنى عرقًا. وخلال الحقبة النازية (1933-1945)، استخدم النازيون القوانين والسياسات العنصرية للحد من الفرص الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص ذوي البشرة السوداء في ألمانيا. كما عمدوا إلى ممارية المضايقات ضد عدد غير معروف من الأشخاص ذوي البشرة السوداء وسجنهم وتعقيمهم وقتلهم.

 أصول الجالية السوداء في ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى

قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، جاء عدة آلاف من الأشخاص ذوي البشرة السوداء إلى ألمانيا من إفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي. كان جميع هؤلاء النزلاء تقريبًا من الرجال. جاء عدد كبير منهم من المستعمرات الألمانية الأفريقية، وخاصة من الكاميرون.1 وخلال الحقبة الاستعمارية، فرض الألمان قيودًا صارمة على هجرة رعاياهم في المناطق الخاضعة للاستعمار. أرادت السلطات الألمانية الحد من عدد المقيمين الدائمين من الأشخاص ذوي البشرة السوداء في ألمانيا والحد من نمو أي عدد كبير من السكان السود هناك.

 على الرغم من هذه القيود المفروضة، غالبًا ما جاء الرجال السود من المستعمرات وخارجها وأتوا إلى ألمانيا لتعلم الحِرف والمهن أو الانخراط في أعمال أخرى. لقد سعوا بحثًا عن فرص تعليمية كمتدربين مهنيين وطلاب. كما أتوا للعمل في الخدمة المنزلية أو العمل كبحّارة. جاء عدد كبير إلى ألمانيا باعتبارهم فنانين يتقاضون أجورًا في معارض عامة تتسم بالاستغلال تُسمى حدائق الحيوان البشرية.2

كما اعتزم غالبية الزوّار من الأشخاص ذوي البشرة السوداء البقاء في ألمانيا لفترة قصيرة فحسب. كما عزم معظم الرجال والنساء ذوي البشرة السوداء الذين انتقلوا إلى ألمانيا إلى العودة إلى ديارهم قبل الحرب العالمية الأولى (1914-1918). لكن قرر عدد قليل منهم البقاء في ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، تعرّض بعض الأشخاص ذوي البشرة السوداء الذين لم يعتزموا البقاء في ألمانيا للحصار هناك بسبب الحرب. كما أسفر اندلاع الأعمال العدائية في عام 1914 عن الحد من السفر والهجرات الدولي داخل أوروبا وخارجها.

 حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، لم يتمكن معظم الرعايا في المناطق الخاضعة للاستعمار سابقًا في ألمانيا من العودة بسهولة إلى أماكن ميلادهم أو الانتقال إلى الخارج. ويُعزى ذلك إلى أن ألمانيا فقدت مستعمراتها في التسويات السلمية بعد انتهاء الحرب. في النظام الجديد بعد انتهاء الحرب، لم يتمكّن الرعايا في المناطق الخاضعة للاستعمار سابقًا في ألمانيا من التجنيس بالجنسية الألمانية ولا إمكانية الحصول على جوازات السفر أو وثائق السفر. ولذا، فقد تقطّعت بهم السبل في ألمانيا (التي كانت تُعرف آنذاك باسم جمهورية فايمار)، والتي لم يعد لها أي صلة رسمية بمستعمراتها السابقة.

 المقيمون من الأشخاص ذوي البشرة السوداء في ألمانيا خلال فترة فايمار (1918-1933)

شريحة معروضة خلال محاضرات في أكاديمية الدولة للجنس البشري والصحة في دريسدن

خلال فترة جمهورية فايمار، كانت ألمانيا موطنًا لمجتمع صغير من الأشخاص ذوي البشرة السوداء يسوده الذكور، حيث هاجر معظم أفراده إلى ألمانيا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.  عاشت العديد من العائلات الألمانية من الأشخاص ذوي البشرة السوداء بالقرب من بعضها البعض في المدن الكبيرة، مثل برلين وهامبورغ، وكذلك في ميونيخ وهانوفر وفيسبادن.

 التهميش في مجتمع فايمار الألماني

كانت العنصرية جزءًا من الحياة اليومية للأشخاص ذوي البشرة السوداء في جمهورية فايمار الألمانية. هذا ما شكّل صعوبة عليهم في العثور على عمل، وهي حالة تفاقمت بسبب الكساد الكبير. غالبًا ما تعرّض النساء الألمانيات ذوات البشرة البيضاء اللاتي تزوّجن من رجال من ذوي البشرة السوداء للنبذ والإقصاء، الأمر الذي شكّل عليهنّ صعوبة في العثور على عمل كذلك. كما تعرّض الأشخاص ذوي البشرة السوداء في بعض الأحيان إلى التهميش داخل الأسر الكبيرة. على سبيل المثال، تذكر ثيودور ونجا مايكل، المولود عام 1925 في برلين لأب كاميروني أسود وأم ألمانية بيضاء، أن والده كان "محظورًا" داخل عائلة والدته.

 إن عدم التمتع بالجنسية شكّل مشكلة أساسية للعائلات الألمانية ذات البشرة السوداء. ونتيجة للتعقيدات التي أحاطت بالجنسية الألمانية في ذلك الوقت، لم تكن الغالبية العظمى من الرجال ذوي البشرة السوداء مواطنين ألمان. وقد أثر هذا الأمر على زوجاتهم وأطفالهم الذين تعتمد جنسيتهم على جنسية الزوج والأب.3 وبدون حمل الجنسية، لا يمكن للرجال ذوي البشرة السوداء وزوجاتهم ذوات البشرة البيضاء وأطفالهم الاندماج بشكل كامل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ألمانيا.

 الفنانون ذوو البشرة السوداء وثقافة جمهوية فايمار

في حين أن المجتمع الذي يضم أشخاصًا من ذوي البشرة السوداء في ألمانيا كان صغيرًا ومهمشًا، إلا أنه لم يكن وجودًا مجهولاً. في العشرينيات من القرن الماضي، كان الأشخاص ذوي البشرة السوداء في ألمانيا ظاهرين للعيان بشكل خاص باعتبارهم جزءًا من الحياة الثقافية النابضة بالحياة والمبتكرة في عصر جمهوية فايمار. كما أن الشغف المتزايد لدى الألمان بالموسيقى والتمثيل الأمريكي الإفريقي أتاح فرصًا جديدة أمام الأشخاص ذوي البشرة السوداء في ألمانيا للظهور على خشبة المسرح، سواء كانوا في الواقع أمريكيين ينحدورن من أصول إفريقية أم لا. كانوا يمثّلون في المسارح والسيرك والأفلام وفي صالات الموسيقى الحية مثل النوادي الليلية والملاهي.

 "الأبناء غير الشرعيين لمنطقة الراين": الأطفال متعددو الأعراق في منطقة الراين

 خلال عصر جمهورية فايمار، كان هناك أيضًا ما يتراوح بين 600 إلى 800 طفل متعدد الأعراق وُلدوا في منطقة الراين، وهي منطقة تقع في غرب ألمانيا. أشارت الصحافة الألمانية إليهم باستخدام التسمية الازدرائية "الأبناء غير الشرعيين لمنطقة الراين" ("Rheinlandbastarde"). كانت أمهاتهم من النساء الألمانيات ذوات البشرة البيضاء وكان آباؤهم في الغالب جنودًا في المناطق الخاضعة للاستعمار الفرنسي والذين مثّلوا جزءًا من الاحتلال العسكري الكبير للحلفاء في منطقة الراين (1918-1930). بينما كان العديد من هؤلاء الجنود ينحدرون من شمال إفريقيا أو آسيا، إلا أنهم في الخطابات العامة كانوا يُصنفون جميعًا على أساس العِرق بأنهم من ذوي البشرة السوداء.

منشور ألماني عن الأطفال متعددي الأعراق في منطقة الراين

 كان لهؤلاء الأطفال مكانةً متناقضة في مجتمع فايمار الألماني، نتيجة لأصلهم العِرقي. وكثيرًا ما تعرّض هؤلاء الأطفال للتمييز بسبب آبائهم ومظهرهم الجسدي. ومع ذلك، لم يكونوا دخلاء على الإطلاق. يحمل معظمهم الجنسية الألمانية من أمهاتهم غير المتزوجات.4 وغالبًا تعرّض هؤلاء الأطفال للنبذ من الناحية الاجتماعية. لقد عانوا من التمييز العنصري من جيرانهم وزملائهم في الفصل وحتى داخل عائلاتهم. ظل البعض منهم مع أمهاتهم أو أسرهم، لكن البعض الآخر جرى إيوائهم في دور رعاية الأطفال أو تبنيهم.

 الأشخاص ذوو البشرة السوداء في ظل النظام النازي (1933-1945)

بدأ أدولف هتلر والحزب النازي في وضع أفكارهم التمييزية والكاذبة حول العِرق في القانون والواقع الفعلي عندما وصلوا إلى سُدّة الحكم في ألمانيا عام 1933. أراد النازيون إقامة دولة ألمانية نقية من الناحية العِرقية واعتبروا الألمان أعضاء في العرق "الآري" الذي يُفترض أنه أرفع مقامًا. لقد استهدفوا اليهود والغجر والسود باعتبارهم "غير آريين" وكأعضاء في أعراق يفترض أنها أدنى منزلة. سنّ النازيون قوانين تحد من حقوق الألمان غير الآريين. وكان الغرض من هذه القوانين في المقام الأول استبعاد اليهود وطردهم، لكنها طُبّقت أيضًا على الشعوب ذوي البشرة السوداء وأبناء قبائل الروما.

 أما بالنسبة للألمان ذوي البشرة السوداء، فقد كانت الحقبة النازية فترة شهدت تزايد الاضطهاد والتهميش والعزلة. وعلى الرغم من أنهم تعرّضوا للعنصرية خلال عصر جمهورية فايمار، إلا أن العنصرية المؤسسية التي مارسها النظام النازي تسبّبت في جعل حياة السود وعائلاتهم أكثر صعوبة ومحفوفة بالمخاطر. نتيجة لذلك، رأى الأشخاص ذوو البشرة السوداء في ألمانيا اعتلاء النازيين سُدّة الحكم كنقطة تحول في حياتهم.

 ولم يمارس النازيون الاضطهاد ضد الأشخاص ذوي البشرة السوداء في ألمانيا بسبب عِرقهم فحسب، بل أيضًا لأسباب أخرى، مثل انتماءاتهم السياسية. على سبيل المثال، كان هيلاريوس "لاري" جيلجيس (الذي وُلد عام 1909) راقصًا ألمانيًا من ذوي البشرة السوداء، وناشطًا شيوعيًا من دوسلدورف، ألمانيا. اغتاله النازيون في 20 يونيو 1933، وتركوا جثته في الشارع. وقعت جريمة قتل جيلجز خلال الأشهر الأولى من النظام النازي، حيث سعى النازيون إلى تدمير الحركة الشيوعية الألمانية.

سادت الأيديولوجية العنصرية النازية في جميع جوانب الحياة في ألمانيا. تبنى العديد من الألمان هذه الأيديولوجية ومارسوا التميير صراحة ضد الأشخاص ذوي البشرة السوداء بمبادرة منهم. ونتيجة لذلك، ازدادت حدة الصعوبات بشكل مطّرد على الأشخاص ذوي البشرة السوداء العثور على عمل والبقاء فيه. كما رفض الزملاء والمديرون العمل مع الأشخاص الذين ميّزهم لون بشرتهم بوصفهم دخلاء على المجتمع العنصري النازي. فقد كانت عمليات الطرد والإخلاء والفقر منتشرة للغاية. يتذكر بعض الأشخاص ذوي البشرة السوداء الحياة في ألمانيا النازية بأنها فترة قام الغرباء بإهانتهم وتعرّضوا لهم بالافتراءات العرقية وتصرّفوا بمنأى عن العقاب على تلك الأفعال.

قانون إصلاح الخدمة المدنية المهنية

اتضح على الفور بأن النظام النازي اعتزم إقصاء الأشخاص ذوي البشرة السوداء بشكل رسمي من المجتمع الألماني.

 وفي أبريل عام 1933، حذف قانون إصلاح الخدمة المدنية المهنية الأشخاص من "أصل غير آري" من الخدمة المدنية الألمانية. اتسم المرسوم بالغموض فيما يتعلق بكيفية تعريف "الأصل غير الآري" بالتحديد. لقد كانت النية وراء إقصاء اليهود واضحة، لكن المراسيم اللاحقة أوضحت أن هذا الأمر ينطبق أيضًا على السود والغجر. وفي الواقع العملي، تأثر عدد قليل نسبيًا من الأشخاص ذوي البشرة السوداء بشكل مباشر بهذا القانون، وذلك نظرًا لأن المواطنين فقط هم الذين يمكن أن يكونوا ضمن موظفي الخدمة المدنية. ومعظم هؤلاء الأشخاص السود الذين حصلوا على الجنسية الألمانية كانوا ما زالوا في سن أصغر من أن يحصلوا على وظيفة في الخدمة المدنية. ومع ذلك، فإن هذا المرسوم والقيود اللاحقة القائمة على العرق حدّت بشدة من فرص العمل والمسارات الوظيفية في المستقبل. كما أوضح المرسوم بأن النازيين لم يعتبروا السود جزءًا من المجتمع الوطني الألماني (Volksgemeinschaft).

 قوانين نورمبرج للسلالات

 في سبتمبر 1935، أعلن النظام النازي قوانين نورمبرغ العرقية، التي طرحت الأفكار النازية حول العرِق في القانون. حيث استهدفت هذه القوانين اليهود في المقام الأول. ولكن ابتداء من نوفمبر عام 1935، طُبّقت قوانين نورمبرغ أيضَا على الغجر والسود، الذين أشار إليهم النظام بازدراء باسم "الغجر والزنوج وذرياتهم غير الشرعية" ("Zigeuner, Neger und ihre Bastarde").

 كان هناك قانونان من قوانين نورمبرج العرقية القانون الأول، قانون رايخ للمواطنة، عرّف هذا القانون المواطن الألماني بأنه شخص "ألماني أو من الأقرباء بالنسب". وكان الغرض من ذلك هو استبعاد الأشخاص الذين اعتبرهم النظام أقل شأنًا من الناحية العرقية (أي اليهود والغجر والسود) من التمتع بحقوق سياسية في ألمانيا.

 القانون الثاني كان قانون حماية الدم الألماني والشرف الألماني لقد حظر هذا القانون الاختلاط العرقي أو ما كان يسمى "تدنيس السلالة" (Rassenschande). لقد حرّم التزاوج والعلاقات الجنسية مستقبلًا بين اليهود والأشخاص "الألمان أو من الأقرباء بالنسب". كما قامت التكميلات اللاحقة التي أُدخلت على القانون بمنع السود في ألمانيا من الزواج من الأشخاص "الألمان أو من الأقرباء بالنسب." ولذا، فقد كان الغرض من ذلك هو منع السود من الزواج من الألمان وإنجاب الأطفال منهم.

 الاضطهاد والتمييز ضد الأزواج مختلفي الأعراق في ألمانيا النازية

شكّلت قوانين نورمبرغ العرقية صعوبة بالغة على السود في ألمانيا الزواج أو تكوين أُسر أو بناء مستقبل. أثّرت هذه القوانين تأثيرًا بالغًا على الأشخاص في سن الإنجاب والزواج. في حين أنه كان من القانوني أن يتزوج الأشخاص ذوو البشرة السوداء من بعضهم البعض، إلا أن هذا الزواج كان نادرًا بسبب صغر حجم المجتمع ذوي البشرة السوداء.

 على الرغم من قوانين نورمبرغ، لا يزال بعض الأشخاص ذوو البشرة السوداء و"الآريين" الألمان مرتبطين بعلاقة عاطفية مع بعضهم البعض. شكّلت هذه العلاقات خطورة على كلا الشريكين، لا سيّما إذا قرّروا محاولة الزواج بشكل قانوني. في ألمانيا النازية، كان يجب على الجميع التقدم بطلب للحصول على إذن بالزواج. عندما تقدم الأزواج مختلفي الأعراق بطلب، جرى رفض طلباتهم رفضًا نهائيًا لأسباب عنصرية. استرعت طلبات التقدم هذه المتعلقة بعلاقات مختلفي الأعراق انتباه السلطات الحكومية. غالبًا ما ترتب على هذا الأمر عواقب وخيمة على الزوجين. وفي حالات متعددة، أسفرت طلبات الزواج عن ممارسة المضايقات والتعقيم وتفكك علاقات المشاركة.

 كما أن الأزواج في حالات الزواج القانونية الذين سبقت زيجاتهم قوانين نورمبرغ تعرّضوا للمضايقة من جانب النظام النازي. ومارس النظام ضغوطًا على النساء الألمانيات ذوي البشرة البيضاء لتطليق أزواجهن ذوي البشرة السوداء والانفصال عنهم. وكثيرًا ما تعرض الأزواج مختلفي الأعراق وأطفالهم للإذلال وحتى الاعتداء عندما ظهروا معًا في الأماكن العامة. على سبيل المثال، استمر الصحفيون النازيون في فرانكفورت يمارسون أعمال السخرية والاستهزاء بدوالا ميسيبو، وهو رجل من الكاميرون، وعائلته الألمانية ذات البشرة السوداء، على صفحات صحيفة الحزب المحلية. ولم يستطع هو ولا زوجته الألمانية ذات البشرة البيضاء كسب لقمة العيش.

 وكانت هناك حالتان معروفتان على الأقل تعرّض فيهما الرجال ذوي البشرة السوداء للعقاب جزئيًا على الأقل نظرًا لأنهم كانوا يقيمون علاقات جنسية مع نساء ألمانيات ذات البشرة البيضاء.

 استبعاد الأطفال ذوي البشرة السوداء من المدارس

عانى العديد من الأطفال ذوي البشرة السوداء، شأنهم في ذلك شأن آبائهم، في ألمانيا من الحقبة النازية كفترة راهنة ازداد فيها الشعور بالوحدة والعزلة والإقصاء. كما ساور بعض الأطفال ذوي البشرة السوداء شعور بالانتماء إلى ألمانيا وأرادوا أن يكونوا جزءًا من الإثارة. إلا أن الأيديولوجية العرية النازية لم يكن لها متسع لاحتضان الأطفال الألمان ذوي البشرة السوداء. تذكّر هانز ماساكوي، الذي كان ينحدر والده من ليبيريا ووالدته ألمانية، عندما ذهب فصله إلى أحد المواكب، التي كان يظهر بها أدولف هتلر.

 "والآن تُتاح أمام الفرصة لرؤية [هتلر] بأعيننا. وقد تأججت لدى هناك، وأنا صبي يبلغ من العمر ثماني سنوات ذو شعر مجعّد، ذو بشرة داكنة وسط مجموعة كبيرة من الأطفال ذوي الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، المشاعر الوطنية الطفولية، وما زالت حينها تحت مظلة نعمة الجهل. هتفت، مثل جميع مَن حولي، للرجل الذي كرّس كل وقته للقضاء على "الأشخاص غير الآريين الأدنى شأنًا" مثلي ".

هانز جي ماساكوي، مُقدّر أن نشهد: نشأة السود في ألمانيا5

بالنسبة للأطفال ذوي البشرة السوداء في ألمانيا النازية، أصبحت المدارس مواقع للإذلال والسخرية. غالبًا ما كان الأطفال ذوي البشرة السوداء يتعرضون للإهانة في فصول العلوم العنصرية وتعرّضوا للسخرية من المعلمين الذين دعموا النازيين.

<img class="image-embed embedded-narrative" src="/narrative/40480/thumb" alt="انتقاء معلم ألماني لطفل بملامح "آرية" data-narrative-stem-id="40480" data-narrative-slug="a-german-teacher-singles-out-a-child-with-aryan-features-for-special-praise-in-class" data-narrative-type-name="photo" data-narrative-type-id="43" data-narrative-langcode="" data-narrative-width="half" />

 وكما فرضت النازية في نظام التعليم قيودًا كبيرة على حقوق الأطفال اليهود في الالتحاق بالمدارس العامة، فقد أثرت أيضًا على الأطفال ذوي البشرة السوداء على مدار الثلاثينيات من القرن الماضي. ومُورس بحق بعض الطلاب ذوي البشرة السوداء الفصل من الدراسة وأصبحوا غير قادرين على استكمال تعليمهم. ولم يوجد سوى عدد قليل من المدارس الخاصة تقبل الطلاب ذوي البشرة السوداء. كما ازدات صعوبة العثور على التدريب المهني، الذي كان ضروريًا في ألمانيا للعثور على فرصة عمل.

في بداية الأمر كان التمييز الذي مُورس ضد أطفال المدارس ضمن المبادرات المخصصة والمحلية. ولكن مع ازدياد سيطرة النازيين على التعليم، فقد فرضوا قيودًا رسمية. في نوفمبر 1938، بعد مذبحة ليلة كريستال ناخت (ليلة تكسير الزجاج)، منع النظام النازي تمامًا جميع الأطفال اليهود من الالتحاق بالمدارس العامة الألمانية. وفي مارس 1941، استبعد النظام النازي رسميًا الأطفال ذوي البشرة السوداء والغجر من المدارس العامة.

 التعقيم القسري للسود في ألمانيا النازية

استخدم النازيون التعقيم القسري لممارسة الاضطهاد ضد السود في ألمانيا، وخاصة الأطفال متعددي الأعراق في منطقة الراين.

 التعقيم هو عبارة عن إجراء يجعل الشخص غير قادر على أن يكون أبًا أو الإنجاب. وفي الوقت الراهن، يمكن مقاضاة مرتكبي التعقيم القسري باعتباره جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي. قام النازيون بتعقيم مئات الآلاف من الأشخاص قسرًا، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة والغجر والسود. اعتقد القادة النازيون أن هؤلاء الأشخاص يشكّلون تهديدات لصحة العرق الآري وقوته ونقاءه.

عمد النظام النازي إلى تعقيم مئات الأشخاص ذوي البشرة السوداء قسرًا لأن النازيين سعوا جاهدين إلى منع ما اعتبروه "اختلاطًا عرقيًا". وبالتالي، بالإضافة إلى سنّ قوانين نورمبرغ بهدف منع الزواج بين الأعراق، استخدم النظام النازي التعقيم القسري للحد من الأجيال القادمة من السود في ألمانيا.

 كما مُورس بحق بعض السود في ألمانيا النازية التعقيم وذلك بأمر من المحكمة، بموجب "قانون منع نسل المصابين بأمراض وراثية" لعام 1933 ("قانون الصحة الوراثية"). ينص هذا القانون على التعقيم القسري للأفراد الذين يعانون من إعاقات جسدية وعقلية معينة، ببالإضافة إلى الأشخاص الذين يقعون ضمن فئة "الأشخاص ذوي القيمة الأقل" أو "ضعاف العقول" غير المحددة بشكل واضح. وقد مُورس بحق عدد قليل من الأشخاص ذوي البشرة السوداء من بين ما يقرب من 400000 ألماني التعقيم بموجب هذا القانون. على سبيل المثال، عانى فرديناند ألين، الذي ينحدر من أب بريطاني أسود وأم ألمانية بيضاء، من مرض الصرع وجى إحالته إلى إحدى المؤسسات، والتي كانت أحد الشروط الواردة في القانون. وقد مُورس بحقه التعقيم بأمر من المحكمة عام 1935. في 15 مايو عام 1941، قتل النازيون ألين في برنبورغ كجزء من برنامج T4 (البرنامج النازي للقتل الجماعي الذي يستهدف الأشخاص ذوي الإعاقة).

 كما عمد النازيون أيضًا إلى ممارسة التعقيم ضد بعض السود في ألمانيا وذلك بسبب عرقهم فقط. في الثلاثينيات من القرن الماضي، قام برنامج الجستابو السري بتنسيق عمليات التعقيم القسري ضد الأطفال متعددي الأعراق في منطقة الراين. وفي إطار هذه الجهود المبذولة، قام الأطباء بتعقيم ما لا يقل عن 385 طفلاً ومراهقًا قسرًا بحلول نهاية عام 1937. ونظرًا لعدم وجود أساس قانوني لممارسة التعقيم بحقهم، فقد تعرّضت أسرهم لضغوط للموافقة على الإجراء. خلال الحرب العالمية الثانية، قام النظام النازي بإخضاع السود الآخرين في ألمانيا إلى عمليات التعقيم القسري، وحدث هذا الأمر غالبًا دون أي أساس قانوني. استهدفت عمليات التعقيم هذه بشكل خاص المراهقين ذوي البشرة السوداء ومتعددي الأعراق المولودين في ألمانيا والذين بلغوا سن الرشد والأشخاص الذين اعتقد النازيون أنهم إما يدخلون مرحلة البلوغ أو كانوا نشطين جنسيًا بالفعل.

التكيّف مع الحياة في ظل النازيين: التمثيل كمصدر للدخل

تعرّض معظم الأشخاص ذوي البشرة السوداء الذين عاشوا في ألمانيا عام 1933 عندما وصل النازيون إلى سُدّة الحكم للحصار هناك طوال الفترة النازية. بينما حاول البعض منهم مغادرة ألمانيا النازية، إلا أن الغالبية العظمى لم تتمكن من الأمر. لم يتمكن معظم السود في ألمانيا من الحصول على تأشيرات دخول إلى بلدان أخرى أو الهجرة بشكل قانوني إلى مكان آخر بسبب قضايا الجنسية. ولم يكن أمام السود في ألمانيا خيار سوى التكيّف مع الحياة في ظل النازيين.

 إلا أن القيود الاقتصادية والاجتماعية المفروضة على السود شكّلت صعوبة بالغة على الحياة اليومية ووتسبّبت في عدم استقرارها. فقد أصبح كسب لقمة العيش وإعالة الأسر أمرًا يكاد يكون مستحيلاً. وأصبح العمل في التمثيل وفي قطاع الترفيه أحد الخيارات الوحيدة للكثيرين في المجتمع. وعلى الرغم من ذلك فقد كان هذا الخيار مصدرًا غير مستقر للدخل في ظل النازيين. كما فرضت النازية في الحياة الثقافية الألمانية قيودًا بالغة على الخيارات المتاحة للرجال والنساء السود الذين يحاولون كسب لقمة العيش باعتبارهم فنانين.

 وردًا على تضاءل فرص العمل، شارك كواسي بروس، الرجل التوغولي، في إنشاء معرض إفريقيا الألماني عام 1934. كان معرض إفريقيا الألماني عرضًا سياحيًا وكان جزءًا من وصف الأعراق البشرية وجزءًا ترفيهيًا. حيث وفّر المعرض مصدر دخل لعدد من الفنانين ذوي البشرة السوداء. استخدم النازيون المعرض للترويج لقضية استعادة مستعمرات ألمانيا الإفريقية، التي فقدتها البلد في نهاية الحرب العالمية الأولى. وأغلق النظام النازي المعرض عام 1940.

 وفي عام 1941، فرض النظام النازي حظرًا رسميًا على ظهور الفنانين من ذوي البشرة السوداء في الأماكن العامة. تم إجراء استثناء ملحوظ للحظر المفروض على صناعة السينما. سُمح للرجال والنساء والأطفال ذوي البشرة السوداء بالظهور في الأفلام الدعائية التي وُظّفت لخدمة غرض الترويج للنظرة النازية للعالم. ظهر الأشخاص ذوو البشرة السوداء (بما في ذلك أسرى الحرب السود) بصورة ملحوظة في فيلم كارل بيترز (1941)، وهو أحد الأفلام التي جسّدت السيرة الذاتية لأحد المسؤولين الاستعماريين الألمان والذي دافع عن الاستعمار وبرر وحشيته.

إيداع الأشخاص ذوي البشرة السوداء في غياهب السجن في فترة الحرب في معسكرات الاعتقال ومواقع أخرى

خلال الحرب العالمية الثانية، أصبحت السياسات النازية ضد الأشخاص ذوي البشرة السوداء أكثر حدة وتطرفًا. حدث هذا الأمر في سياق التطرف على نطاق واسع للسياسات النازية ضد الخصوم العنصريين والسياسيين المزعومين. وبسبب القوانين والسياسات التي زادت من حدة التمييز والعنصرية في ألمانيا، انتهى الأمر بالعديد من الأشخاص ذوي البشرة السوداء في غيابات السجن في إصلاحيات الأحداث والسجون والمستشفيات والمصحات النفسية ومعسكرات الاعتقال.

 يوجد العديد من التجارب الموثقة للأشخاص ذوي البشرة السوداء المسجونين في معسكرات الاعتقال. ومن بين هؤلاء محجوب بن آدم محمد (بيوم محمد حسين) الذي سُجن وقتل في ساكسنهاوزن، وغيرت شرام المسجون في بوخنفالد، ومارثا ندومبي التي سُجنت وقتلت في رافنسبروك، وإريكا نغاندو المسجونة في رافنسبروك. ولقي البعض منهم حتفه، بمن فيهم حسين وندومبي. ونجا آخرون وتركوا مذكرات وشهادات حول تجربتهم. وفي السنوات العديدة الماضية، جرى وضع عدد من اللوحات التذكارية التي سُمّيت Stolpersteine (حرفيًا، "حجر عثرة") المخصصة للضحايا ذوي البشرة السوداء للاضطهاد والقتل النازي في ألمانيا.

 يواصل العلماء جهودهم في البحث والكشف عن قصص الضحايا السود للاضطهاد النازي. ولا تساعدهم قصصهم في إلقاء الضوء على معاناة السود في ظل النازيين فحسب، بل أيضًا على التأثير الواسع والعواقب المأساوية للأيديولوجية النازية على الأفراد والمجتمعات بأكملها.